مقدمة
هذه الورقات
المتواضعة عبارة عن أفكار تهم تاريخ دمنات من فترة يصعب البدء منها نظرا
لغياب المصادر أو المراجع التي يمكن أن تشفي غليلنا في هذا الإطار. وتنتهي
هذه الأفكار عند خروج الحماية من دمنات تعقبها بعد ذلك دراسة مونوغرافية
حول دمنات ونواحيها.
وبرجوعنا إلى
التاريخ نستنتج من المرجع الرئيسي في هذه الدراسة وهو كتاب(المجتمع
المغربي في القرن التاسع عشر:إينولتان 1850 – 1912) لمؤلفه الأستاذ أحمد
التوفيق.وكذلك مرجع اَخر لا يقل أهمية رغم طابعه الاستعماري نظرا لأنه يوفر
إحصائيات وخرائط وسنوات دقيقة. ثم مراجع أخرى لم أرى داعيا لتبويبها هنا
حيث أن هذه الدراسة لا أعتبرها بحثا بقدر ما هي أفكار وخواطر عل وعسى أن
تدفع المختصين للبحث في هذا المجال كما فعل أستاذنا مشكورا أحمد التوفيق.
ففي ما يخص
البحث عن تاريخ دمنات ومتى كان تأسيسها يلاحظ انعدام الجزم بتحديد تاريخ
معين يكون بداية للتأسيس. وقد اعتمد المؤلف أحمد التوفيق على عدة مصادر
وحاول مقارنتها واستقرائها أحيانا بهدف الوقوف عند تاريخ محدد، لكن ذلك
غالبا ما ينتهي بتضارب الآراء التي خاضت في هذا الموضوع أحيانا.
وهذا راجع
إلى كون دمنات لم يتم تأسيسها لا من طرف سلطان من سلاطين المغرب أو أمير
كما هو الشأن بالنسبة لمعظم المدن القديمة في المغرب. كما أن جل المصادر
التي تعرض لدمنات لم تحاول أن تُجيب عن أصل هذه التسمية ومدلولها كما هو
معتاد في أسماء الأماكن الأخرى.
وهذا الغموض
في التأسيس ومدلول الاسم ناتج عن غياب مصادر ومراجع متفردة في الموضوع إذا
استثنينا كتاب إينولتان. فكل ما ورد في المصادر والمراجع عبارة عن أفكار
مشتتة في هذا المصدر أو ذاك.
الموقع
بُنيت دمنات
على علو 960 متر من سطح البحر بالسفح الشمالي للأطلس الكبير وتعتبر إذن من
المدن الديرية ذات موقع هضبي يخترقه وادي امهاصر الذي ينبع من إمينيفري
وتقع إذن دمنات في منطقة التقاء سلسلتي الأطلس الكبير والأطلس المتوسط.
وتحيط
بالمدينة جبال أهمها جبل إغري الذي يبلغ علوه 1220 متر، كما تطل عليها قمم
جبلية أهمها قمة ايت توتلين بعلو يصل إلى 2000 متر، قمة غاث 3788 متر ثم
قمة جيبر 1700 متر. وبذلك فإن دمنات رغم ارتفاعها فهي عبارة عن منخفض كما
يظهر ذلك من الصورة الجوية، ويظهر كذلك من الصورة عدة قرى تحيط بالمدينة
مثل قرى اَيت امزيزل وبعض القرى الجبلية كاَيت شتاشن، لوطا ،كرول،ايت صالح و
إوريضن.أما في المرتفعات العليا فنجد فيها قرى مثل آيت شتاشن الجبل وآيت
توتلين آيت ابلال وجطيوة الجبل.
وبالنسبة
لمناخ المنطقة فنظرا لوجودها في الأطلس الكبير الأوسط وبُعْدِها عن
المؤثرات البحرية فإن كل ذلك يعطي للمنطقة مناخا قاريا يميل إلى الجفاف
وعدم انتظام التساقطات التي تقتصر على شهر ونصف أي 545 ملمتر في السنة مع
ارتفاع درجة الحرارة صيفا وخاصة عندما تتعرض المنطقة إلى رياح الشرقي، أمّا
في فصل الشتاء فتعتدل الحرارة على العموم مع انخفاضها الشديد خلال أيام
معدودة فقط في هذا الفصل.
أما بالنسبة
للتربة فيطغى عليها طابع التربة الجبلية المتكونة من الصخور الكلسية والتي
لا تترك المجال للتربة الخصبة المستعملة في الزراعة إلا قرب المجاري
المائية أو في منخفض دمنات حيث تنتشر الحقول التي تكسوها البساتين ومغارس
الزيتون.
ويؤثر هذا المناخ كذلك على الغطاء النباتي في المنطقة سواء من حيث الكثافة والتنوع.
وبلغت المساحة الإجمالية للغابات في منطقة دمنات ما يقرب من 110 ألف هكتار.
وتضم هذه
الغابات أصنافا عديدة من الأشجار أهمها: السنديان أو البلوط الأخضر ويغطي
مساحة 75000 هكتارا،الصنوبر الجبلي وتبلغ مساحة انتشاره 14600 هكتارا. ثم
هناك أنواع أخرى لا تقل أهمية مثل العرعار، الدرو، الحلفاء…
وهذه الغابات
غنية بالوحيش وخاصة الحجل،الأرنب والخنزير البري.ويستغل هذه الثروة
الحيوانية جمعيات متخصصة في الصيد البري تأتي من المدن البعيدة في أوقات
افتتاح الصيد.
دمنات تاريخيا
استفادت
دمنات من موقعها عند قدم الأطلس الكبير ووجودها في طريق الممرات الجبلية
وعلى رأسها ممر تزي نفدغات التي تربط بين دمنات وسكورة في الصحراء لتلعب
بذلك دور الوسيط التجاري بين هضاب السراغنة وجبال الأطلس والصحراء بل إنها
استفادت كذلك من الطريق الرئيسية التي تربط العواصم التقليدية مراكش، فاس
ومكناس. مما أدى إلى ازدهار أسواقها كما أكد ذلك الحسن الوزان ليون
الإفريقي في كتابه >> وصف إفريقيا <<، والذي وصف دمنات ب
(المشترائية).
وبقيت
المدينة تحافظ على رواجها وازدهارها الإقتصادي حتى أواخر القرن التاسع عشر
كما يتضح ذلك من خلال ما وصفه الرحالة المسيحي الفرنسي شارل دوفوكو أثناء
مروره من مدينة دمنات في أكتوبر 1883.
ونقرأ كذلك
في Bulletin économique et social du Maroc 1955 أرقاماً تدل على هذا
الإزدهار الإقتصادي الذي تعرفه المدينة ويتجلى في وجود ثمانية فنادق لإيواء
التجار ودوابهم وسلعهم أثناء انتقالهم عبر دمنات. وتشير نفس المجلة كذلك
إلى وجود 500 دكان متخصصة في كل المواد المنتجة محليا كالملح والصوف ومختلف
المنتوجات الحرفية أو المستردة من الصحراء كالثمروالحناء والتين. رغم أن
عدد سكان دمنات لا يتجاوز 5844 نسمة حسب إحصاء 1892،ويشكل اليهود ضمنهم
1726نسمة.
كما أن
الإزدهار الإقتصادي الذي عرفته مدينة دمنات في الفترة ما قبل الرأسمالية
يُؤكده كذلك تواجد جالية يهودية تتمركز في حي الملاح وتعتبر من أهم
التجمعات اليهودية في المغرب كما هو الشأن في مدينتي صفرو والصويرة. بل إن
مشكل يهود دمنات قد تدخلت فيه دول أجنبية واتخذته حجة لدى المخزن المغربي
من أجل الضغط عليه في إطار الضغوط التي تعرض لها المغرب خلال القرن التاسع
عشر.وهذه الضغوط هي التي أجبرت السلطان مولاي الحسن لإصدار ظهير خاص ببناء
ملاح جديد وذلك بتاريخ 11 ماي 1887 عوض الملاح القديم الذي يسمى حي الفلاح
حاليا بعد أن كثرت شكاوى المسلمين الذين اتهموا يهود الملاح القديم بتدنيس
مياه الساقية التي يستعملها المسلمون في مسجد أرحبي والحمام المجاور له.
وكانت دمنات
منذ القديم وحسب تصريحات شارل دوفوكو، منطقة يتعايش فيها العنصرين اليهودي
والإسلامي إلى حد التمازج على مستوى اللغة والألبسة والعادات والأفراح بحيث
يصعب التمييز بين اليهود والمسلمين إلاّ من خلال الطقوس الدينية.
وتتعايش في
دمنات كذلك لهجتين أمازيغيتين وهما تشلحيت وتمازيغت، بل إن أمازيغية دمنات
مشحونة بكثير من الألفاظ العربية المجاورة نظرا لاختلاط سكان دمنات
بالقبائل العربية المجاورة وخاصة منها قبائل اولاد خلوف والحمدانة.
التطورات السياسية في دمنات منذ القرن التاسع عشر حتى فترة الحماية
حسب ما أورده
الأستاذ أحمد التوفيق في كتابه (المجتمع المغربي في القرن التاسع
عشر: إينولتان 1850 –1912) وفي إطار الحديث عن الأحداث التي عرفتها
إينولتان من منتصف القرن التاسع عشر إلى الغزو الفرنسي (الصفحة 143) أشار
إلى أن دمنات كانت تابعة في البداية إلى منطقة السراغنة منذ عهد السلطان
سيدي محمد بن عبد الله.
وفي عهد
السلطان المولى عبد الرحمان تم تعيين القائد علي أوحدو الدمناتي على منطقة
دمنات ولتانة فطواكة وغجدامة.ومن تم لعبت دمنات دورا هاما بالنسبة للمخزن
حيث قامت بتطويع قبائل الأطلس وتأمين بريد تافلالت وتموين العائلة
السلطانية بها.
وقد كانت
دمنات عرضة من حين لآخر لأعمال النهب من طرف القبائل السائبة و المجاورة
لها ، نظرا لانعدام سور يحيط بها ، و لذلك أمر السلطان سيدي محمد بن عبد
الرحمان ببناء سور دمنات حتى يحيط بالمدينة كاملة عوض ما كان في السابق حيث
كانت القصبة التي يقطنها العامل هي وحدها التي يحيط بها السور ثم الخندق
فقد ذكر شارل دوفوكو أن هذا الخندق هو الوحيد الذي صادفه في المغرب و أعطى
أرقاما حوله مفادها أن عرضه يبلغ ما بين سبعة و ثمانية أمتار ، أما عمقه
فيتراوح ما بين اربعة و خمسة أمتار نصفه مملوء بالماء و هذا ما يؤكد
التهديدات المتواصلة ضد المدينة كلما سمحت الفرصة لذلك كما سيأتي.
وفي سنة 1875
تولى قيادة دمنات القائد الحاج الجيلالي بن علي أوحدو،وقد أظهر القائد
الجديد حنكة ودراية بشؤون المنطقة لذلك عينه السلطان مولاي الحسن على
القبائل السائبة خارج إينولتان مثل قبائل ايت بوكماز، قبائل تدغة، قبائل
ايت عطا.
وعند وفاة
السلطان مولاي الحسن سنة 1894 م تعرضت دمنات لهجومات القبائل المجاورة
واستولت على المدينة ونهبوا دورها بما في ذلك دار القائد الحاج الجيلالي في
قصبة دمنات.
وقد فر
القائد إلى زاوية تناغملت قرب شلالات أزود. وقد فشلت محاولاته الأولى
للعودة إلى دمنات في البداية إلى أن تمكن من الاتصال بأعيان المدينة
واللذين مهّدوا له حماية العودة وخاصة بعدما حصل على ظهير تعيين جديد من
قبل السلطان مولاي عبد العزيز.
وقد مارس
القائد الجيلالي بعد عودته إلى دمنات معززا بهذا الظهير، سياسة انتقامية
تجاه معارضيه السابقين سواء من أعيان دمنات أو خارجها حيث أرهقهم بالضرائب
والكلفة وأعمال السخرة بل والسجن أحيانا.كل ذلك دفع هؤلاء المعارضين إلى
تنظيم عملية اغتيال نُفِّذت فعلا أثناء صلاة الجمعة بمسجد القصبة بدمنات،
قُتِل على إِثرها القائد الجيلالي وقُتِل في نفس الوقت منفِّذُ هذه
العملية. ومباشرة بعد هذه العملية وقعت إضطرابات في مدينة دمنات نُهبت على
إِثرها كثير من الدور وخاصة في الملاح بالإضافة إلى دار القائد.
في هذه
الفترة بدأت أسرة جديد تكتسب النفوذ والقوة وهي أُسرة ݣلاوة الذين استفادوا
من ظهير تعيين منذ عهد مولاي الحسن عندما سهلوا عملية مرور حركة السلطان
بالأطلس الكبير. وقد وسعوا نفوذهم عندما ضموا إليهم منطقة فطواكة التي
اقتطعوها من قيادة اينولتان. وبعد محاولات عديدة نجح محمد ابلاغ في الحصول
على ظهير تعيين سلطاني من مولاي عبد العزيز كقائد على دمنات منتصرا بذلك
على أكبر منافسيه وهو سعيد الدمناتي أخ القائد الجيلالي المغتال الذي حصل
بدوره على ظهير تعيين كقائد على دمنات وايت شتاشن وذلك بتاريخ 10 مارس 1906
لكنه لم ينفذ نظرا للأحداث التي عرفتها عاصمة المغرب والمتمثلة في انتقال
المُلك من السلطان مولاي عبد العزيز إلى السلطان مولاي عبد الحفيظ.
وكان
المستفيد من هذا الانقلاب السياسي هو أسرة اݣلاوى المساندين للسلطان الجديد
مولاي عبد الحفيظ.وفعلا بادر السلطان بإصدار ظهير جديد عُيِّن فيه علال
الݣلاوي قائدا على دمنات. لكن القائد السابق محمد ابلاغ رفض التنازل عن
منصبه فاندلعت الحرب بين القائدين، لكن علال الݣلاوي انتصر على غريمه وفر
هذا الأخير إلى قبيلته في كرول ومن هناك مَارس مُعارضَته. كما أن من بين
الرافضين لسلطة اكلاوى هو الشيخ الكبير أولعيد أوحساين من ايت ابلال والذي
عينته قبائل إينولتان عليها بعدما سمعت بتعيين علال الݣلاوي قائدا على
دمنات واينولتان. و يستنتج من هذه الأحداث أن سكان المنطقة رفضوا رفضا باثا
الخضوع لسلطة اكلاوى بسبب انتشار شائعات بين السكان تُفيد بأن أسرة
الكلاوي تتعامل مع النصارى و تريد إدخالهم إلى المغرب،و فعلا كان ذلك.
ومع حصار
القبائل المجاورة لفاس العاصمة سنة 1911 م توثرت العلاقة بين السلطان وأسرة
اكلاوى نتج عنها طرد السلطان مولاي عبد الحفيظ للمدني الكلاوي من منصبه
وعُين مكانه ادريس منو باشا على مدينة مراكش وأحوازها بعد أن ألحق منطقة
دمنات بعمالة مراكش.وبمجرد ما سمع سكان دمنات بالتعيين والتقطيع الجديد
بادروا إلى الهجوم على القصبة وإخراج القائد علال الݣلاوي،وتولى مكانه
القائد الناجم الخصاصي.
في هذه
الفترة تسارعت الأحداث السياسة في المغرب وانتهت بعقد الحماية الفرنسية على
البلاد.ومباشرة بعد ذلك عَمِل الإستعمار الفرنسي على تنفيذ سياسته
الحمائية على كل أنحاء المغرب.وقد دخلت القوات الفرنسية إلى مراكش بعد
هزيمة أحمد الهيبة في سيدي بوعثمان.ومباشرة تم تغيير باشا مراكش ادريس منو
وعُيِن مكانه الباشا المدني الكلاوي.
ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الأحداث في دمنات.
فقد عمل
المدني لكلاوي على إرجاع أخيه علال الكلاوي قائدا على دمنات. إلاّ أن سكان
إينولتان ودمنات رفضوا هذا التعيين الجديد ممّا دفع المدني الكلاوي بتغيير
علال بابنه عبد الملك بن المدني الݣلاوي والذي حضي بقبول سكان إينولتان
وفطواكة باستثناء اولعيد اوحساين الذي رفض تعيينه بدعوى أن الذي نصّبه هو
الإستعمار الفرنسي.
وفي نفس
السنة 1912 م اصطحب المدني لكلاوي الكونونيل مانجان إلى دمنات والتي دخلها
بجيوشه دون حرب حيث استسلمت المدينة بعد أن مَهّد الكلاوون هذا الإستسلام.
وأقام الفرنسيون معسكرا فوق تلة في الجهة الشمالية لدمنات والمعروفة بإسم
إمليل.
وإذا كانت
دمنات المدينة قد استسلمت دون قتال فإن قبائل الجبال بقيادة الشيخ الكبير
أولعيد اوحساين قد واصلت الكفاح ضد المستعمر وحلفاءه من الݣلاويين وايت
ابلاغ. وقد وقعت حروب متقطعة بين الفريقين واستمرت انتفاضة قبائل الجبال
إلى غاية 1916م وانتهت باستسلام اولعيد اوحساين بوساطة ابلاغ محمد.
التحولات التي عرفتها دمنات في ظل الحماية
أدخل
الاستعمار الفرنسي نمطا إِقتصاديا جديدا يعتمد على الرأسمالية المتوحشة
والمستندة على الإستغلال الإمبريالي في وقت كانت البنية الإقتصادية
المغربية تعيش في ما يسمى بالمرحلة ما قبل الرأسمالية. وقد تأثرت دمنات من
جرّاءِ هذا التحول الاقتصادي الجديد والذي لم تستطع أن تواكبه نظرا لعوامل
عديدة أهمها:
- اعتماد المغرب على وسائل نقل حديثة في التبادل التجاري خاصة منها الطرق والآلات الحديثة المستعملة في النقل،وهي أدوات حُرِمت منها دمنات مع بداية الحماية.
- فتح طريق جديدة وحديثة عبر ممر تيزي نتشكا وعصرنة وسائل النقل.
- تراجع كبير لوسائل النقل التقليدية وخاصة تجارة القوافل التي تربط دمنات بالصحراء والعواصم التقليدية.
كل ذلك أدى
إلى تهميش دمنات وجعلها تتخلى عن الدورالتقليدي الذي الذي كانت تلعبه من
قبل وهو مركز عبور القوافل. فمن خلال قراءة مجلة Bulletin économique et
social du Maroc 1955 N°67 page 359والخاص بموضوع دير دمنات، نستنتج بأن
دَوْر دمنات كمدينة قد انتهى مع ظهور وسائل النقل الحديثة ورجعت إلى
وضعيتها القديمة كمركز قروي يعتمد على إنتاج الزيتون والبستنة التي لا تخلو
بدورها من مشاكل أهمها شيخوخة مغارس الزيتون وضعف المجال السقوي إما بسبب
الجفاف أو بسبب سوء التوزيع والتجهيز.
ومن نفس
المصدر السابق نستنتج أن حكما خطيرا كان مُنَظِّروا السياسة الاستعمارية في
المغرب قد أصدروه. ويتجلّى هذا الحكم في أنّ كلاّ من دمنات وإيمنتانوت
وايت اورير.
وكلها منافذ
للأطلس الكبير ومع ذلك فحظوظها لكي تصبح مُدنا حقيقيا جد ضعيفة نظرا لقربها
من مراكز كبرى احتكرت الوظائف الجديدة وهي مراكش وبني ملال وفيما بعد
أكادير.
وإن كان هذا
الحكم قد صدر في الخمسينات من هذا القرن أي أواخر عهد الحماية، فإن وضعية
هذه المدن الثلاثة الأخيرة حاليا تُزكي هذا الطرح الإستعماري وذلك بعد
أربعة
عقود من
الإستقلال.وقد عمل الإستعمار على تكثيف استغلاله لخيرات المنطقة وعمل على
إنجاز مشاريع ذات طابع إداري أمني واقتصادي،وتهدف هذه المشاريع إلى النهوض
بدمنات ونواحيها ومحاولة الإرتقاء بها كمركز حضري.وذلك أيام فترة
الحماية.ولا يخفى طبعا الأهداف والنوايا الإستعمارية من وراء هذه المشاريع
التحديثية والتي شمِلت قطاعات ومجالات متعددة أهمها:
- الطرق:
كان هدف
الاستعمار هو ربط دمنات بمراكش وبالتالي بباقي أنحاء المغرب. ثم بعد ذلك
فتح طرق ثانوية لربط دمنات بالقبائل الجبلية المجاورة حيث رجعوا إلى طرق
القوافل القديمة وقامو بتوسيعها عن طريق تجنيد القبائل في أعمال السخرة
الجماعية بتنسيق مع الشيوخ.
وكان الهدف
من فتح هذه الطرق واضحا وهو تسهيل تحرك القوات الفرنسية في المناطق الجبلية
التي تميزت بعصيانها في ما سبق و من شأن فتح هذه الطرق أن يساهم في تطويع
القبائل.
كما أن الهدف
من فتح هذه الطرق أيضا تسهيل عملية نقل المعادن التي اكتُشفت في الجبال
المجاورة لدمنات، كما أكّد ذلك التقرير الذي أنجزهُ مكتب الأبحاث
والمساهمات المعدنية B.R.P.M وأيضا من أجل نقل المنتجات الفلاحية والغابوية
التي تنتجها منطقة دمنات.
- التجهيزات الاجتماعية:
المدارس:
اهتم الإستعمار بإدخال النمط الجديد في التعليم إلى جانب التعليم العتيق
الذي عرفته جوامع ومساجد وزوايا منطقة دمنات.فقام ببناء المدرسة الفرنسية
الإسلامية و هي المدرسة المركزية حاليا كما أسس في حي الملاح المدرسة
الفرنسية الإسرائيلية و هي مدرسة حي الصناع اليوم و بنى أربع فرعيات ملحقة
بالمدرسة الفرنسية الإسلامية و هي فرعية إمليل ، فرعية الصور ، فرعية تيزغت
و فرعية اولاد خلوف.
ومعلوم أن
الهدف من التعليم في هذه المدارس الحديثة هو تكوين الأطر الصغرى حيث كان
التركيز أكثر خلال مرحلة التعليم الإبتدائي على التعليم الفلاحي لقطع
الطريق على أية محاولة لإتمام الدراسة الثانوية في مراكش أو غيرها إلا
نادرا وحسب الإمكانيات المادية المتوفرة لدى المتعلم.
- الرياضة:
يظهر من مخطط
التهيئة والمجسم الذي وضعته سلطات الاستعمار (BESM العدد 67 الصفحة 366)
أن هناك نية في تشييد ملعب لكرة القدم في دمنات وكذلك مسبح وسينما.
وتم فعلا بناء مسبح لكن في مركز إمليل حيث تتواجد الإدارة الإستعمارية.أما المشاريع الأخرى فلم تُنجز لحد الآن.
- الصحة العمومية:
تمثلت في
بناء مستشفى عمومي قروي حضري يُقَدم الخدمات الأولية وكذلك مستوصف داخل
المدينة. ومعلوم أن اهتمام السلطات الاستعمارية بالصحة نابع من تخوف
الفرنسيين من الإصابة بالعدوى أو الأمراض المنتشرة بين الأهالي كما
يسمونهم.
- البريد:
كانت له
أهمية كُبرى لما يلعبه من دور خطير في تثبيت نفوذ الاستعمار وتوفير الأمن
في المناطق المحتلة لذلك بادر الاستعمار الفرنسي في المنطقة ببناء بناية
خاصة بالبريد عند المدخل الرئيسي للمدينة، وكانت تُعَد معلمة عمرانية خاصة
بدمنات لكِنّه مع كل أسف هُدمت هذه البناية وحلّت محلّها بناية جديدة
بتصميم مُغاير تماما لنفس المؤسسة.
- المشاريع الاقتصادية في عهد الحماية :
- استغلال الموارد الفلاحية :
تعتمد دمنات
ونواحيها على الفلاحة الشجرية بفضل كثافة أشجارها المُثمِرة. فحسب
الإحصائيات التي أنجزتها الإدارة الاستعمارية فإن هناك 260000 شجرة زيتون
و260000 شجرة لوز و150000 شجرة ذات إنتاج متنوع إضافة إلى 70000 شجيرة
كروم. حسب ما ورد في الصفحة 361 من مجلة B.E.S.M عدد 67 سنة 1955م.
وهذا ما
شجع الإدارة الاستعمارية لإقامة تعاونية خاصة بعصر الزيتون سنة 1941 م تحت
اسم (الشركة الجنوبية لاستخراج الزيت) تتوفر على معمل حديث مُجَهز بأحدث
التجهيزات الميكانيكية ووسيلة للنقل الحديث (شاحنة) وإدارة حديثة وتوجد هذه
التعاونية قرب المدرسة المركزية بدمنات. وكانت طاقتها الإنتاجية 140 طن في
السنة. وقد استفز هذا المشروع فَلاّحي المنطقة سواء من حيث إجبارهم على
بيع إنتاجهم من الزيتون بأثمان تَقِل كثيرا عن ثمن السوق. وقد جنّدت سلطات
الاستعمار كافة عملائها وأعوانها من أجل إرغام منتجي الزيتون على بيع
غِلّتهم بالثمن الذي تُحدِّدُه إدارة الشركة. مما دفعهم إلى اتخاد موقف
سلبي تُجاه هذه الشركة. كما أن الشركة تقوم بتصدير كل الإنتاج من الزيت إلى
خارج المنطقة أو خارج المغرب مما يحْرُم الفلاح الدمناتي من تحقيق اكتفائه
الذاتي من الزيت التي تعتبر المادة الأساسية في المنطقة. لذلك فإن هذا
المشروع سرعان ما توقف عن الإنتاج مباشرة بعد إعلان الاستقلال حيث رفض
المنتجون تزويد الشركة بالزيتون بل تحول هذا المشروع إلى أطلال بعدما
نُهِبَت مُعِدّاته وحتّى خشب سقفه.
- تحويل الدوم أو الحلفاء:
نظرا لوفرة
نباتات الحلفاء في منطقة دمنات وجبالها فقد عملت سلطات الحماية على إنشاء
معمل خاص بتحويل وغزل الدوم الخام وذلك سنة 1943م. وعرف باسم المكينة وذلك
قرب الثكنة العسكرية بإمليل. وعمل هذا المشروع مدة طويلة وكان يُشَغل عشرات
العُمّال بصفة مباشرة وغير مُباشرة. وكان يُصَدّر معظم الإنتاج إلى المدن
الكبرى أو حتى إلى خارج البلد.
- الصناعة الحرفية :
- الدباغة والخرازة :
تعتبر دمنات
من المدن القديمة كما توجد بها جالية يهودية مُهمة تمت الإشارة إليها
سابقا، وكان من الطبيعي إذن أن تُزْدهر الحرف التي كانت تَسْتَجِيب لحاجيات
المدينة وزوارها من المناطق المُجاورة. وكان يقوم بها حرفيون مَهَرة سواء
من اليهود أو المسلمين وتَعلّم معظمهم في العواصم التقليدية فاس ومراكش.وقد
اشتهرت عائلات في هذا المجال منها من بقي في دمنات ومنها من هاجر إلى
المدن الكبرى. وازدهرت أحياء حرفية خاصة في مثل حي الفلاح المتخصص في
الخرازة والدباغة والمكان معروف اليوم بالسماط أو زنقة الزّيوَانِي أي
الجلود
المستعملة في
صناعة البلغة. وازدهر كذلك حي الملاح حيث يتواجد اليهود اللذين تفننوا في
كل الحرف. وكان الحيان المذكوران يتوفران على مدبغتين كبيرتين لا يقلان
أهمية عن المدابغ الكبرى في مراكش وفاس. وتجدر الإشارة إلى أن المواد
الأولية المستعملة في الدباغة كلها من إنتاج محلي سواء من الجلود ثم مواد
الدباغة والصباغة.
لكن مع دخول
الاستعمار إلى المنطقة عمل على احتكار الجلد كما فعل بالزيتون وتصديره خاما
إلى المدن الكبرى لمعالجته في المدابغ العصرية.وقد انعكس ذلك سلبا على فئة
الحرفيين الذين تراجعت مداخيلهم بل اضطر مُعظمُهم إلى الهجرة خارج دمنات
للعمل في الحرف الأخرى بعد أن كانت الدباغة والخِرَازة من الحرف التي
يتهافت الكل لتعلمها بفضل المداخيل التي تُدِرها على صاحبها. ونستنتج هذه
الفكرة من مخطوط (القول الجامع لصاحبه احمد بن إبراهيم نجيب الفتاوي الصفحة
77 والذي اعتمده الأستاذ احمد توفيق كمرجع في أطروحته إينولتان)
وازدادت
أهمية منطقة دمنات لدى سلطات الاستعمارفبالإضافة إلى الثروة المعدنية هناك
أيضا الثروة المائية، حيث أن سلطات الحماية وضعت مخططات مائية جد طموحة
تهدف إلى جمع مياه حوض نهر تساوت وروافده خاصة وادي الخضر وواد إيورضن
وبناء سدود لإنتاج الطاقة الكهرومائية وسقي منطقتي الحوز والسراغنة أي
أراضي المعمرين وأراضي الخواص من الأعيان في هذه المناطق.
وقد برمج الاستعمار أربعة سدود ذات حقينة مُتوسطة وصغيرة وهي.
- سد سيدي ادريس 106 مليون متر مكعب على وادي الخضر بعد أن يلتقي بوادي امهاصر.
- سد تيمي نوتين في جنوب غرب دمنات على واد تسَاوت وتقدر حقينته ب 190 مليون متر مُكعب.
- سد ايت تاشوريت على واد الخضر وتبلغ حقينته 220 مليون متر مُكعب.
- سد واد غزاف شرق دمنات على بعد 15 كيلومتر ولم يُشار لحقينته في المصدر السابق. حسب ما تسمح به الظروف المادية والأمنية وكذلك الوقت الزمني. ونفهم من ذلك لماذا كان الاهتمام أكثر بهذه المنطقة وخُصِّصت لها دراسة إحصائية واقتصادية وعُمرانية، بل أَنْجزت سلطات الحماية كذلك مسحا طوبوغرافيا أعقبته عملية وضع خرائط متخصصة في كل المجالات. ويُلاحظ كذلك أن هذه المشاريع المدروسة ربما جاءت متأخرة أي في العقد الأخير لعمر الحماية في المغرب. لذلك يحق لنا أن نتساءل هل سيُكتبُ لها أن ترى النور لو جاءت قبل هذا التاريخ؟
ثم تساءل آخر
وهو لماذا تعاملت السلطات المغربية في عهد الاستقلال بنوع من الانتقائية
اتجاه هذه المشاريع الطموحة؟ أو كسؤال واضح وهو ماذا تحقق لدمنات في ظل ما
يقرب لنصف قرن من الاستقلال؟ فالوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ينصب
نفسه كجواب شاهد لهذه الأسئلة المطروحة ويُبرز مدى التهميش الكبير والمقصود
أحيانا والذي عرفته منطقة دمنات إلى اليوم.
- معالجة الصوف:
لم تسلم
بدورها من سياية الإحتكار الاقتصادي الذي مارسته الإدارة الاستعمارية. فبعد
إنشاء (الشركة الإفريقية للغزل والنسيج) بالرباط سنة 1929 م، شنت الإدارة
الاستعمارية بتعاون مع أعوانها في الإدارة المحلية حملة ضد منتجي الصوف من
أجل إرغامهم على بيع إنتاجاتهم من الصوف للشركة المذكورة وشركات أخرى
مماثلة في المدن الكبرى. وقد أضر هذا القرار بالصناعة الحرفية وخاصة منها
الدرازة العائلية حيث لا يخلو بيت في منطقة دمنات من ممارسة هذا النشاط ولو
في إحدى مراحله كالغسل أو الغزل أو الصباغة أو النسج.
صناعة التعدين:
يمكن أن نصنف
التعدين في دمنات إلى صنفين أحدهما حرفي والآخر تعديني استخراجي. فيما يخص
الصنف الأول يتمثل في الحرف التعدينية التي كانت تزود منطقة دمنات
بحاجياتها من الأدوات الحرفية الحديدية كسكك المحاريث والمناجل وجميع
الأدوات الفلاحية والحرفية الأخرى والاستعمالات المنزلية. فقد انتشرت
دكاكين الحدادين في وسط دمنات وكانت تزيد عن العشرات إضافة إلى دكاكين أخرى
للحدادة تتواجد حتى في القرى الجبلية مثل ملاح ايت ابلال الذي مازالت
أطلاله تشهد على ذلك إلى اليوم وقمة جبل توك الخير بين قريتي تمزيت وأيت
الراس وكانت تستخدم الحديد الخام المستخرج من مناجم ايت الراس.
الصنف الثاني
ويقصد به استخراج المعادن. وكان استخراج الملح من منجم تيزغت بالطرق
التقليدية هو النشاط الوحيد المعروف في هذا المجال. وكان يزود المدينة
ومحيطها بحاجياتها من هذه المادة ويصدر ما تبقى ويصدر ما تبقى إلى المدن
البعيدة. وحسب المصدر السابق فإن هذا المنجم يُشَغِّل 200 عامل وينتج ما
يقرب من 1200 طن سنويا، وقد بقي هذا المنجم مستغلا حتى بعد الاستقلال بعد
أن تحول إلى شركة تسمى شركة تعلاوت.
ومع الحماية
في المغرب بدأ مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية في استكشاف طبقات المناطق
الجبلية المحيطة بدمنات. وفعلا تم فتح عدة مناجم أهمها:
- منجم لإنتاج البريوم في منطقة تاونوت.
- منجم لإنتاج النحاس والرصاص في منطقة تيغرمت (أسيف نتيلي).
- منجم لإنتاج الزنك والنحاس والرصاص بمنطقة ايت مزالط.
ويشير
تقريرB.E.S.M عدد67 صفحة 362 بأن هناك احتياطات مهمة من الجبس كما أن تنبآت
B.R.P.M تَعِدُ بوجود احتياطات قابلة للاستغلال من الحديد والنحاس والأميانط.
من إنجاز الأستاذ: احمد قابو
أستاذ مادة الإجتماعيات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق