معالم من تاريخ مدينة دمنات
ورد ذكر مدينة دمنات وقصبتها في مذكرات الرحالة الفرنسي شارل دوفوكو عندما زارها سنة 1884م فقال: أقمت في دمنات، هذه المدينة مقر قائد يسيّر الإقليم التابع لها والذي تحده قبائل السراغنة شمالا، وانتيفة وأيت بوعلي شرقا، والمنحدرات العليا للأطلس الكبير جنوبا، وقبيلة زمران غربا
ويحيط بدمنات حزام مستطيل الشكل من أسوار مسنّنة تجهزها دكّة رمي الرصاص وتحصنها بأبراج، وكلها في حالة جيدة، وليس بها لا ثغرات ولا أجزاء مخرّبة، وللمدينة 3 بوابات، وللقصبة حزامها الخارجي وتحميها خنادق، وهذه الخنادق هي الوحيدة التي شاهدتها في المغرب، وعرضها ما بين 7 و 8م وعمقها من 4 الى 5م، يملؤها الماء جزئيا، وفي وسط هذا المحرز شيد المسجد الكبير ودوار القائد، والباقي بنايات متواضعة مطلية باللون الأسمر الداكن، باستثناء المئذنة ودار القائد فهي ذات طلاء أبيض بالجير، وتحتل المزروعات جزءا من ثلث مجال المدينة غير المبني مع ساحة السوق، ولا توجد بتاتا لا أرض بور ولا أطلال، ومظهر المدينة عليه ثراء
ويبلغ عدد سكان مدينة دمنات 3000 نسمة تقريبا ضمنها 1000 يهودي ليس لهم ملاح بل يسكنون بين المسلمين حيث يعاملونهم بطيبوبة استثنائية
وللعلم فإن دمنات وصفرو هما المدينتان الوحيدتان في المغرب حيث يسعد اليهود أكثر من غيرهما، والغريب أيضا أن المدينتين متشابهتين في الموقع والمجال والثراء والتجارة والبيئة الجميلة، أي أن مثل صفرو لفاس كمثل دمنات لمراكش
وتمتاز تجارة دمنات بالرواج، تقصدها قبائل الأطلس والصحراء (دادس وتودغة) لتتزود بالمواد الأوروبية والمواد المصنوعة بالمدن المغربية من أنسجة قطنية وسكر وشاي وعطور ومجوهرات وأحذية والحبوب، وبالمقابل تحمل هذه القبائل الى دمنات الجلود والصوف والتمور، لكن عندما أرسل المخزن أحد الأمناء الجشعين أثر في حركة تجارة دمنات بفرض ضريبة تعسفية مرتفعة الى أن هجر تجار القبائل سوقها وتحول نشاطهم الى مراكش مباشرة
وتحيط بدمنات حدائق غناء جذابة ورائعة، وهي من أوسع بساتين المغرب، ومن أشهرها بساتين (أيت أوعاودانوس) والتي كانت في ملكية فلاح ثري اسمه (علي أولحسوب)، وهي عبارة عن غابة أشجار الزيتون القديمة وأشجار الفواكه العتيقة، لكنها تعرضت للإتلاف بعد أن نكب المخزن صاحبها بغتة نظرا لنفوذه الواسع في المنطقة، فألقي القبض عليه وأرسل الى سجن الجزيرة بموكادور (الصويرة)، واشتهر في معتقله باسم الدمناتي، ومكث في السجن عدة سنوات، ولم يطلق سراحه الا بعد أن تنازل عن جميع ممتلكاته، إلا أنه لم ينعم بحريته إذ مات فور خروجه من باب مدينة الصويرة نظرا للوهن الشديد الذي أصاب صحته
------------------------
المصدر: التعرف على المغرب لفوكولد – ترجمة ذ/ المختار بلعربي
---------------------------
كما ورد ذكر مدينة دمنات في كتاب (وصف افريقيا) للرحالة الحسن الوزان الشهير باسم (ليون الافريقي) عندما زارها سنة 919هـ / 1514م فقال: من مدن هسكورة، تقع المدينة على حدود الأطلس، وهي من بناء أهل هسكورة، تشتمل على نحو 2000 كانون، وتبعد عن مراكش شرقا بنحو 90 ميلا، وعن مدينة الغربية بدكالة بنحو 160 ميلا (أي 220 كلم)، وتضم المدينة عددا كثيرا من الدباغين والسراجين وغيرهم من الصناع، وفيها الكثير من اليهود، بعضهم تجار وبعضهم صناع
تقوم المدينة وسط غابة من الزيتون والكروم المعروشات البديعة وأشجار الجوز العظيمة، ويفترق سكانها فرقا عديدة تختصم باستمرار داخل المدينة، ويعادون في الخارج أهل مدينة أخرى بعيدة عنهم بنحو 4 أميال، ولا يستطيع أحد أن يسير في البادية الى حقله ما عدا العبيد والنساء، وإذا أراد أحد التجار الغرباء أن يذهب من مدينة الى أخرى فعليه أن يستصحب حرسا قويا، لذلك فإن كل واحد منهم يستأجر عادة مسلحا ببندقية أو قذّافة بأجرة شهرية تتراوح ما بين 10 و 12 مثقالا بالعملة المحلية، وهي تساوي 16 (دوكة) ايطالية
ويوجد في هذه المدينة بعض الرجال المتضلعين في علم الفقه يؤجذ منهم القضاة والأئمة، وتؤدى الضرائب المفروضة على الغرباء الى بعض الرؤساء الذين يحفظونها ليصرفوها في حاجيات الجماعة، ويؤدي أهل المدينة للأعراب عن أملاكهم في السهل ما لا أدري قدره من الخراج، لكنهم يربحون مع هوؤلاء الأعراب 10 أضعاف ما يؤدون لهم
وقد ذهبت إلى هذه المدينة عند عودتي من مراكش ونزلت بدار أحد الغرناطيين الأثرياء الذي أقام فيها زهاء 18 عاما، يعمل في صنع القذافات، فكنا 9 نفر فضلا عن الخدم، قام بنفقتنا جميعا بلطف وسخاء الى أن انصرفنا في اليوم الثالث، وكان السكان يريدون أن ينزلونا بدار الضيافة المعدة للغرباء، لكنه لم يتحمل أن يرانا ننزل في مكان آخر غير منزله لأنني كنت بلديه، وطوال المدة التي قضيناها عنده كانت الجماعة تهدي لنا عجولا أو خرفانا أو دجاجا، ولما رأيت كثرة الخيل بهذه المدينة سألت مضيفي لماذا لا يهدون إلينا منها، فأجابني بأن الفرس يعتبر أحقر الدواب في هذه الناحية وأنهم يهدون بالأحرى ماعزة أو تيسا
---------------------------
ومن أعلام قبيلة فطواكة
-----------------
القائد محمد بن حدّو أبلاغ
قائد مخزني، تولي قيادة دمنات وقبيلتها اينولتان بظهير عزيزي مؤرخ في 1322هـ إثر اغتيال القائد المخزني القائد الجيلالي بن علي أو حدّو ، وتنحدر أسرته (أبَلاَّغ) من فرقة كرّول باتحادية اينولتان شرقي دمنات، ويذكر أهاليها أن أجداهم هاجروا من أساكا أوبلاغ قرب تيزنيت في القرن 10هـ، ويرجع سبب قيادة أسرته الى تسلط قائد دمنات المخزني وإثقال كاهلهم بالفروض الضريبية، فدفعوا بأحد البارزين فيهم وهو الطالب سي احمد أبلاغ لولوج عسكر السلطان لما في ذلك من ترقية وتحرير من المغارم، وقد صار هذا الطالب قائدا للمائة، وأسندت له مشيخة إخوانه الكروليين، وسكن في دمنات واغتنى بالمتاجرة، وعلى شأنه حتى تضايق منه القائد علي أو حدو ، ففكر في اغتياله، فأزاحه من الميدان ، لكن أهل الطالب قدموا عليهم ابنه الحاج محمد أبلاغ وأيدهم في ذلك حلفاؤهم من فرق اينولتان من الكطويين وأيت شتاتن وأيت بلال ، وتعاملوا مع العامل المخزني الواسع النفوذ وهو العامل الجيلالي الدمناتي الذي كانت لهم معه مؤازرة أيام حركته في تافيلالت ومساعدته في القبض على مراهين أيت بوكماز لضمان طاعتهم لحساب المخزن ، وعندما انتفضت اينولتان وفرّ العامل الجيلالي الدمناتي الى زاوية تناغملت، ولّى أهل اينولتان تدبير شؤون دمنات وقبائلها لمرشحهم محمد أبلاغ وطلبوا تزكية السلطان له، لكن خذلهم بعض أعيانهم وانحاشوا للعامل الجيلالي الدمناتي فرجع الى منصبه بتعزيز من القوة المخزنية ليحكم 3 سنوات ثم قتل بعدها، فبعث السلطان مولاي عبدالحفيظ العلوي قائد الرحى الحاج محمد البيزاري لضبط الأمن بدمنات، وذهب محمد أبلاغ الى فاس لطلب ظهير تعيينه على قيادة بلاده من السلطان ، وترك عمه القائد عبدالسلام أبلاغ لينوب عنه الى حين رجوعه، وهنا أحبط عبدالسلام مؤامرة كان يدبرها عدوه محمد لقلالش زعيم فرقة إيواريضن بضاحية دمنات، ولما رجع القائد محمد أبلاغ الى بلده مصحوبا بظهير تعيينه، قبض على متزعمي المؤامرة، وانتشر الأمن في عهده بدمنات وقبيلتها اينولتان ، أما ما وراءها من قبائل تكانة وغجدامة وفطواكة فقد صار حكمها بيد أسرة الكلاويين الزاحفين في توسعهم في اتجاه الشرق . ثم قام دعيّ آخر ضد محمد أبلاغ وهوسعيد بن علي أو حدو ، أخ العامل الجيلالي المقتول ، وهو جندي في الجيش المخزني، مؤيدا برسالة تعزية بعثها اليه الوزير عبدالكريم بن سليمان سنة 1904م يقول فيها : {بأن الأمور ستبقى في داركم}، وكان هذا التأييد فارغا، لأن أبلاغ هو القائد الفعلي بالظهير ، لكنه دخل في صراع ارستقراطي مع أعيان البلد الذين قاموا باتصالات سرية مع الكلاويين الطامعين في دمنات ومناطقها. ولما بويع السلطان مولاي عبدالحفيظ مؤيدا من الكلاويين عكس القائد أبلاغ الذي لا زال مؤيدا للسلطان مولاي عبدالعزيز ، فلما مر السلطان مولاي عبدالحفيظ في طريقه الى فاس ، نزل بالسراغنة وأرسل في طلب القائد أبلاغ، فاعتذر عن المجيء بالمرض ، لخوفه من مكر الكلاويين الحاقدين عليه، وبعد شهر أعطي للقائد علال الكلاوي الذي كان متوليا على فطواكة ظهير تعيينه على اينولتان ، وكان في دمنات معارضون للقائد أبلاغ، فتربصوا به حتى أرسل فرسانه لتأييد القائد بوشعيب السرغيني ضد من خالفه من إيالته، فاستدعوا الكلاوي سرّا وفاجأ محمد أبلاغ في نفر قليل من مقاتليه فتمكن منه وقتله في معركة بأرض تسمى سيدي مالك خارج أسوار دمنات، وذلك في شهر ماي 1908م، وبذلك تحقق للكلاويين حكم دمنات واينولتان الى عهد الاستقلال ، وقد تكيفت أسرة إبلاغن مع الكلاويين في عهد الحماية الفرنسية وساعدوا الباشا المدني الكلاوي في حركته لتطويع قبائل الأطلس .
المصدر : المعلمة – ذ/ أحمد التوفيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق